❋❦ أستاذة العربيّة: فوزيّة الشّطّي ❦❋❦ الفرض التّأليفيّ 2: دراسة النّصّ ❦❋ ❦❋ معهد المنتزه ❦❋❦ 3اق1 ❦❋❦ 2021.6.07 ❋❦ |
❀ النّصّ: فِي الظُّلْمَةِ الزَّرْقَاءِ النَّاصِلَةِ وَمَعَ هَبَّاتِ رِيحٍ خَفِيفَةٍ مُنْعِشَةٍ، كَانُوا بِصَمْتٍ قَدِ انْتَهَوْا مِنِ اسْتِعْدَادِهِمْ لِلرَّحِيلِ. أَمَّا حِينَ تَرَكُوا وَادِيَ الْعُيُونِ، أَوْ بِكَلِمَاتٍ أَدَقَّ حِينَ أُجْبِرُوا عَلَى تَرْكِهِ، بَعْدَ شُرُوقِ الشَّمْسِ بِقَلِيلٍ، فَقَدْ كَانَتْ بَيْنَ الرَّاحِلِينَ عَائِلَةُ 'مُتْعَبٍ الـهَذَّالِ'. وَكَانَ 'فَوَّازٌ' الَّذِي لاَ يَزِيدُ عُمْرُهُ آنَذَاكَ عَلَى أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، الْأَكْبَرَ بَيْنَ إِخْوَتِهِ [...]. وَكَانَ يُفْتَرَضُ أَنْ يَتَوَلَّى أُمُورًا كَثِيرَةً. فَبَعْدَ أَنْ تَرَكَ 'مُتْعَبٌ الـهَذَّالُ' وَادِيَ الْعُيُونِ بِتِلْكَ الطَّرِيقَةِ الْغَاضِبَةِ وَخَلَّفَ وَرَاءَهُ غُبَارًا كَثِيرًا وَكَلاَمًا أَكْثَرَ، بَدَأَ رِجَالُ الْأَمِيرِ يَنْظُرُونَ إِلَى «بَقَايَا» مُتْعَبٍ نِظْرَةً مَلِيئَةً بِالْـحِقْدِ وَالْغَضَبِ. ثُـمَّ بَدَأَتِ الْإِشَاعَاتُ تَسْرِي أَنَّ الْعَائِلَةَ لَنْ تَنَالَ تَعْوِيضًا مِنْ أَيِّ نَوْعٍ [...]. فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي قَضُّوهَا فِي 'عَجْرَةَ'، الْـمَحَطَّةِ الرَّئِيسِيَّةِ عَلَى الطَّرِيقِ السُّلْطَانِـيِّ، أَحَسَّ الْـجَمِيعُ أَنَّ رَحِيلَهُمْ عَنْ وَادِي الْعُيُونِ كَانَ قَاسِيًا عَنِيفًا مِثْلَ لَطْمَةٍ مُفَاجِئَةٍ. وَقَدْ مَلَأَهُمْ هَذَا الرَّحِيلُ بِشُعُورٍ قَاهِرٍ مُنْذُ اللَّيْلَةِ الْأُولَى: أَنَّـهُمْ وَحِيدُونَ وَأَنَّـهُمْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ احْتِمَالَ الْـحَيَاةِ الْـجَدِيدَةِ. إِذْ بَعْدَ أَنْ آوَى الْـجَمِيعُ إِلَى الْفِرَاشِ، وَكَانَ الصَّمْتُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ ثَقِيلاً مُسَيْطِرًا [...]، سَـمِعَ 'فَوَّازٌ' لِأَوَّلِ مَرَّةٍ وَرُبَّـمَا مُنْذُ سَنَوَاتٍ طَوِيلَةٍ، بُكَاءَ أُمِّهِ 'وَضْحَةَ الْـحَمَدِ'. كَانَ بُكَاءً مَكْتُومًا مُتَقَطِّعًا لاَ تُرِيدُ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْمَعَهُ أَوْ أَنْ يَنْتَبِهَ إِلَيْهِ. بَكَتْ مِثْلَ طِفْلَةٍ صَغِيرَةٍ. لَكِنْ بَكَتْ خِفْيَةً عَنِ الْآخَرِينَ. كَانَتْ تَعَضُّ عَلَى اللِّحَافِ، تَدْفِنُ وَجْهَهَا فِي الْوِسَادَةِ... وَتَبْكِي. فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَدْرَكَ 'فَوَّازٌ' [...] بِشَكْلٍ خَاصٍّ أَنَّ مَا حَصَلَ لَـهُمْ لَيْسَ مُـجَرَّدَ الرَّحِيلِ عَنْ مَكَانٍ اسْـمُهُ 'وَادِي الْعُيُونِ' وَلَيْسَ خَسَارَةً مِنَ النَّوْعِ الَّذِي يَسْتَطِيعُ الْإِنْسَانُ أَنْ يَأْلَفَهُ أَوْ يَتَعَوَّدَ عَلَيْهِ. أَدْرَكَ أَنَّ مَا وَقَعَ فِرَاقٌ يُشْبِهُ الْـمَوْتَ. إِذَنْ لاَ شَيْءَ وَلاَ أَحَدَ يُـمْكِنُ أَنْ يُعِيدَهُمْ إِلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ. وَرَغْمَ الْغَضَبِ الَّذِي كَانَ يَـمْلَأُ صُدُورَهُمْ عَلَى أَبِيهِمْ لِأَنَّهُ تَرَكَهُمْ يُوَاجِهُونَ هَذِهِ الْـمُصِيبَةَ وَحْدَهُمْ، فَقَدِ اخْتَلَطَتْ كَلِمَاتُهُ الْغَاضِبَةُ مَعَ بُكَاءِ 'وَضْحَةَ' تِلْكَ اللَّيْلَةَ. وَبَدَا سلُوكُهُ مَفْهُومًا أَكْثَرَ مِنَ الْأَيَّامِ السَّابِقَةِ وَرُبَّـمَا أَقَلَّ قَسْوَةً. فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَحَتَّى وَقْتٍ مُتَأَخِّرٍ، لَـمْ يَنَمْ هَذَا الَّذِي تَرَكَ الصِّبَا مُبَكِّرًا وَدَخَلَ الرُّجُولَةَ قَبْلَ الْأَوَانِ. ظَلَّتِ الْأَشْبَاحُ تُطَارِدُهُ. وَامْتَلَأَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةُ، كَمَا امْتَلَأَتِ اللَّيَالِـي التَّالِيَةُ، بِذَلِكَ الانْتِظَارِ الْـمُوجِعِ. ❋ عبد الرّحمان منيف، مُدُنُ الـمِلْحِ، الجزء 1: التِّيهُ، المؤسّسة العربيّة للدّراسات والنّشر ❋ ❋❦ ط:4، بيروت، 1992، ص: 117-120، (بتصرّف) ❦❋ |
عربيّتي 3 علوم: مدوّنةُ دروس وفروض خاصّة بالسّنة الثّالثة من الشّعب العلميّة في التّعليم الثّانويّ التّونسيّ.
إجمالي مرات مشاهدة الصفحة
07 يونيو 2021
الفرض العاديّ 2: (دراسة النّصّ)، نصّ: (عبد الرّحمان منيف، مُدُنُ المِلْحِ)، 2020-2021
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق