إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

13 فبراير 2015

الفرض التّأليفيّ 1: ( دراسة النّصّ)، نصّ: (نادرة جحا)، الإصلاح، 2014-2015






♣ أســــتاذة العربـيّة  فوزيّة الشّـــطّي ♣ الفرض التّأليفيّ 1  في دراسة النّصّ   

  3 اقتصاد 1   معهد 'قرطاج حــنّـبعل 2014.12.08 

 لَهُ الأجْرةُ ولكَ الصّوْتُ 

ذَهَبَ الشَّيْخُ نَصْرُ الدِّينِ جُحَا إِلَى الـحَاكِمِ طَالِبًا مِنْهُ أَنْ يُعَيِّنَهُ قَاضِيًا. وَلَـمَّا لَـمْ يَكُنْ فِي مَنَاصِبِ القَضَاءِ مَكَانٌ خَالٍ، اِعْتَذَرَ إِلَيْهِ الحَاكِمُ، وَوَعَدَهُ خَيْرًا. وَعَادَ الشَّيْخُ بَعْدَ أَيَّامٍ يَطْلُبُ وَظِيفَةً أُخْرَى، وَظَلَّ الحَاكِمُ يُـمَاطِلُهُ. وَلَـمَّا أَعْيَاهُ الأَمْرُ، قَالَ لِلْحَاكِمِ: «بـِمَا أَنَّكَ قَدْ أَنَلْتَنِـي الْتِفَاتَكَ وَوَعَدْتَنِـي بِوَظِيفَةٍ حَسَنَةٍ فَقَدْ جِئْتُ أُذَكِّرُكَ بِوَظِيفَةٍ خَالِيَةٍ لاَ طَالِبَ لَـهَا وَتُسَاعِدُكَ فِي الـمَسَائِلِ الَّتِي يَصْعُبُ حَلُّهَا. فَلاَ تَبْخَلْ بِهَا عَلَيَّ». فَأَجَابَهُ الحَاكِمُ: «قُلْ لِي مَا هِيَ تِلْكَ الوَظِيفَةُ لِأُعَيِّنَكَ فِيهَا». فَقَالَ جُحَا: «أَرْجُو أَنْ تُعَيِّنَنِـي "قَاضِيًا لِلظِّلِّفِي مَعِيَّتِكَ». فأُعْجِبَ الـحَاكِمُ وَمَنْ مَعَهُ بِهَذَا العُنْوَانِ، وَقَالَ لَهُ: «عَيَّنْتُكَ قَاضِيًا لِلظِّلِّ، وَهَذِهِ غُرْفَتُكَ بِـجِوَارِي».

دَخَلَ الشَّيْخُ تِلْكَ الغُرْفةَ، وَقَعَدَ فِي زَاوِيَةٍ مِنْهَا وَاضِعًا أَمَامَه صُندُوقًا عَلَيْهِ أَدَوَاتُ الكِتَابَةِ. وَثَابَرَ عَلَى الـحُضُورِ كُلَّ يَوْمٍ دُونَ أَنْ تُعْرَضَ عَلَيْهِ أَيُّ قَضِيَّةٍ. وَفِي أَحَدِ الأَيَّامِ جَاءَ رَجُلٌ مَاسِكًا خَصْمَهُ مِنْ تَلاَبِيبِهِ. وقَالَ لِلْحَاكِمِ: «يَا سَيِّدِي، هَذَا الرَّجُلُ لاَ يُعْطِينِـي حَقِّي». فَسَأَلَ الـحَاكِمُ: «وَمَا هُوَ حَقُّكَ؟». أَجَابَ الـمُدَّعِي: «هَذَا الرَّجُلُ قَطَعَ اثْنَيْنِ وَثَلاَثِينَ قِنْطَارًا مِنَ الحَطَبِ لِأَحَدِ الزَّبَائِنِ. وَكُنْتُ جَالِسًا أَمَامَهُ. وَكُلَّمَا أَخَذَ الفَأْسَ كُنْتُ أَقُولُ: "هِيهْ، هِيهْ"، أُشَجِّعُهُ وَأُقَوِّيهِ. فَانْتَفَعَ بِـمُسَاعَدَتِـي. وَلَـمَّا أَخَذَ الأُجْرَةَ لَـمْ يُعْطِنِـي شَيْئًا مِنْهَا لِقَاءَ أَتْعَابِي». فَسَأَلَ الـحَاكِمُ الـمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَأَجَابَ مُصَدِّقًا مَا قَالَ الـمُدَّعِي. وَاحْتَارَ الـحَاكِمُ فِي فَصْلِ هَذِهِ الدَّعْوَى الغَرِيبَةِ. فَخَطَرَ فِي بَالِهِ "قَاضِي الظِّلِّ". عِنْدَهَا قَالَ لِلْـمُدَّعِي: «نَـحْنُ لاَ نَتَدَخَّلُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الدَّعَاوَى. وَإِنَّـمَا يَرَاهَا قَاضِي الظِّلِّ الجَالِسُ فِي تِلْكَ الغُرْفَةِ. فَاذْهَبَا إِلَيْهِ». فَفَعَلاَ. وَوَقَفَ الـحَاكِمُ وَرَاءَ بَابِ الغُرْفَةِ يَسْتَمِعُ خِفْيَةً مَا عَسَى أَنْ يَـحْكُمَ بِهِ الشَّيْخُ.

سَـمِعَ جُحَا مُقَدِّمَاتِ الشَّكْوَى. ثُمَّ قَالَ لِلْـمُدَّعِي: «أَجَلْ، مَعَكَ الحَقُّ. وَإِلاَّ فَمَا مَعْنَى أَنْ تَقْعُدَ أَمَامَهُ وَتَتْعَبَ كُلَّ هَذَا التَّعَبِ، وَهْوَ يَأْخُذُ الأُجْرَةَ جَمِيعَهَا». فَقَالَ الـمُدَّعَى عَلَيْهِ:«يَا سَيِّدِي، أَنَا قَطَعْتُ الـحَطَبَ وَهْوَ يَتَفَرَّجُ عَلَيَّ. فَأَيُّ حَقٍّ لَهُ فِي الأُجْرَةِ؟!». أَجَابَهُ الشَّيْخُ: «اُسْكُتْ، فَإِنَّ عَقْلَكَ لاَ يُدْرِكُ هَذَا». وَطَلَبَ مِنْهُ الدَّرَاهِمَ. فَأَحْضَرَهَا. فَأَخَذَ "قَاضِي الظِّلِّ" الأُجْرَةَ مِنْ قَاطِعِ الحَطَبِ، وجَعَلَ يَعُدُّهَا وَقَدْ أَعْلَى يَدَهُ لِتُحْدِثَ رَنِينًا شَدِيدًا. [وَلَـمَّا أَتَـمَّ العَدَّ قَالَ لِلْـمُدَّعَى عَلَيْهِ: «خُذْ دَرَاهِـمَكَ». ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى الـمُدَّعِي قَائِلاً: «وَخُذْ أَنْتَ صَوْتَهَا»]

 نديم كامل، نوادرُ جحا وقراقوش، دار النّديم، ط1، صص: 51-53 

 بيروت، 2003، بتصرّف  

 - يُـمَاطِلُهُ: يُسَوِّفُهُ، يَعِدُهُ يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ دُونَ أَنْ يَفِيَ بِوَعْدِهِ.

- فِي مَعِيَّتِكَ: بِصُحْبَتِكَ، بِـجِوَارِكَ.

- التَّلاَبِيبُ: الـجُزْءُ مِنَ الثِّيَابِ الوَاقِعُ حَوْلَ الرَّقَبَةِ وَعَلَى الصَّدْرِ، أَيْ أَمْسَكَهُ مُتَمَكِّنًا مِنْهُ مَانِعًا إِيَّاهُ مِنَ الـهَرَبِ.

1-    صُغْ للنّصِّ موضوعا مُناسِبًا في جملةٍ مُفِيدة: (1ن)

...................................................................................................

...................................................................................................

2-    غَيِّرْ ما يَـجِبُ تَغْيِيرُه، معَ الشّكلِ التّامّ: (3ن)

- جَاءَ رَجُــــلٌ غَاضِــبٌ مُـحْتَــــــجٌّ وَهْوَ يُـمْـــسِكُ خَصْـــمَهُ بِعُنْفٍ.

 .............. رَجُلاَنِ .................................................................

 .............. مَرْأَتَانِ .................................................................

 .............. رِجَالٌ ..................................................................

 .............. نِسَاءٌ ..................................................................

3-    حَدِّدْ الوظِيفةَ النّحوِيَّةَ لِـمَا سُطِّرَ فِي النّصِّ: (1ن)

- حَسَنَةٍ: ............................................... 

- عَلَيْهِ أَدَوَاتُ الكِتَابَةِ: .......................................

- مُصَدِّقًا مَا قَالَ الـمُدَّعِي: .................................. 

- وَهْوَ يَتَفَرَّجُ عَلَيَّ: .........................................

4-    تَـمَكّنَ الشّيخُ جُحَا مِن انْتِزَاعِ وَظيفَةٍ لِنفسِه رَغْمَ أنْفِ الحاكِمِ. بَيِّنْ ذلك: (2ن)

...................................................................................................

...................................................................................................

...................................................................................................

5-   اِشْرَحْ ما وُضِعَ بين مُعقَّفيْن في آخرِ النّصّ: (1ن)

...................................................................................................

...................................................................................................

...................................................................................................

6-   حَدّدْ أنْـمَاطَ الجمَلِ التّالية: (2ن)

-          مَا هُوَ حَقُّكَ؟: ................................ (0,5)

-           لَـمْ يُعْطِنِـي شَيْئًا مِنَ الأُجْرَةِ: ............................ (0,5)

-           لاَ تَبْخَلْ بِـهَا عَلَيَّ : ................................... (0,5)

-           اِذْهَبَا إِلَيْهِ: ................................ (0,5)

7-    كَثِيرا مَا تَكُونُ الحِيلةُ والخَدِيعَةُ سَبِيلاً إلى تَحْصِيلِ المنافِعِ. مَا رَأْيُكَ في هذَا السّلُوكِ؟: (2ن)

...................................................................................................

...................................................................................................

...................................................................................................

...................................................................................................

8-    فَسِّرْ هذا النّصَّ في فقرةٍ لا تَتَجاوزُ اثنَـيْ عَشَرَ [12] سطرا: (7ن)

«تَكْشِفُ الكِتَابَاتُ الـهَزْلِيَّةُ الفُكَاهِيَّةُ مَا كَانَ عِنْدَ العَرَبِ قَدِيـمًا مِنْ سَعَةِ صَدْرٍ وَمِنْ قَبُولٍ بِالآخَرِ الـمُخْتَلِفِ وَمِنْ مَيْلٍ إِلَى حُبِّ الـحَيَاةِ الـمَرِحَةِ الضَّاحِكَةِ العَابِثَةِ. لَقَدْ صَوَّرَ لَنَا الأَدَبُ العَرَبِـيُّ السَّاخِرُ تَنَوُّعًا اجْتِمَاعِيًّا خَصِيبًا وَتَنَوُّعًا أَخْلاَقِيًّا ثَرِيًّا. وَهْوَ تَنَوُّعٌ نَفَعَ النَّاسَ دُونَ أَنْ يُـحْدِثَ فِيمَا بَيْنَهُمْ قَطِيعَةً أَوْ تَصَادُمًا»:

...................................................................................................

...................................................................................................

...................................................................................................

...................................................................................................

...................................................................................................

...................................................................................................

...................................................................................................

...................................................................................................

...................................................................................................

...................................................................................................

...................................................................................................

...................................................................................................

...................................................................................................

...................................................................................................

...................................................................................................

d نقطة [1] على وضوحِ الخطّ ونظافةِ الورقة c

 عَـــملاً مُـوفّــــــــــــقًا 

 الإصـــــلاح 

1-    صُغْ للنّصِّ موضوعا مُناسِبًا في جملةٍ مُفِيدة: (1ن)

كَشفتِ النّادرةُ حكمةَ جُحا "قاضي الظّلّفي حلِّ مسألةٍ مُستعصِية بـفضل حيلةٍ مُضادَّةٍ.

2-    غَيِّرْ ما يَـجِبُ تَغْيِيرُه، معَ الشّكلِ التّامّ: (3ن)

- جَاءَ رَجُــــلٌ غَاضِــبٌ مُـحْتَــــــجٌّ وَهْوَ يُـمْـــسِكُ خَصْـــمَهُ بِعُنْفٍ.

 جَاءَ رَجُلاَنِ غَاضِبَانِ مُـحْتَجَّانِ وَهُـمَا يُـمْسِكَانِ خَصْمَهُمَا (أَوْ: خَصْمَيْهِمَا) بِعُنْفٍ.

 جَاءَتْ مَرْأَتَانِ غَاضِبَتَانِ مُـحْتَجَّتَانِ وَهُـمَا تُـمْسِكَانِ خَصْمَهُمَا (أَوْ: خَصْمَيْهِمَا) بِعُنْفٍ.

 جَاءَ رِجَالٌ غَاضِبُونَ مُـحْتَجُّونَ وَهُـمْ يُـمْسِكُونَ خَصْمَهُمْ (أَوْ: خُصُومَهُمْ) بِعُنْفٍ.

 جَاءَتْ نِسَاءٌ غَاضِبَاتٌ مُـحْتَجَّاتٌ وَهُـنَّ يُـمْسِكْنَ خَصْمَهُنَّ (أَوْ: خُصُومَهُنَّ) بِعُنْفٍ.

3-   حَدِّدْ الوظِيفةَ النّحوِيَّةَ لِـمَا سُطِّرَ فِي النّصِّ: (1ن)

- حَسَنَةٍ: نعتٌ.  - عَليْهِ أَدَوَاتُ الكِتَابَةِ: نعتٌ.

- مُصَدِّقًا مَا قَالَ الـمُدَّعِي:حالٌ.  - وَهْوَ يَتَفَرَّجُ عَلَيَّ: حالٌ.

4-    تَـمَكّنَ الشّيخُ جُحَا من انْتِزَاعِ وَظيفَةٍ لِنفسِه رَغْمَ أنْفِ الحاكِمِ. بَيِّنْ ذلك: (2ن)

فَهمَ جحا أنَّ الـحاكمَ لا يَرغبُ في توظِيفِه. فأصرَّ على طلبِه دون أنْ ينالَ منه اليأسُ أوِ الـحَرَجُ. عَسَى أنْ يَـملَّ الحاكمُ، فيستَجيبَ لطلبِه. ثمّ ابتدَعَ وظيفةً لا وُجودَ لها، هي "قاضي الظّلّ". فلمْ يستطِعِ الحاكمُ عندها التّعلُّلَ بعدمِ وجود شُغورٍ. لذا لبـَّى طلبَه صاغِرا.

5-    اِشْرَحْ ما وُضِعَ بين مُعقَّفيْن في آخرِ النّصّ: (1ن)

مَنَحَ جحا الـمُدَّعِيَ صوتَ الدّراهمِ مقابلَ الـمجهودِ الصّوتِـيّ الّذي بذلهُ هو في تشجيعِ الـمُدَّعَى عليه. فكانَ عملٌ بأجرٍ، وكانَ صوتٌ بصوتٍ. هكذا جازَى "قاضي الظّلِّ" الـمُتخاصِميْن كِليْهما بما يستحقّان بعدلٍ حكيمٍ. 

6-   حَدّدْ أنْـمَاطَ الجمَلِ التّالية: (2ن)

-       مَا هُوَ حَقُّكَ؟جملةُ استفهامٍ (0,5).    

-       لَـمْ يُعْطِنِـي شَيْئًا مِنَ الأجْرَةِجملةٌ تقريريّةٌ مَنفيّة (0,5).

-       لاَ تَبْخَلْ بِـهَا عَلَيَّجملةُ نَـهيٍ (0,5).   

-       اِذْهَبَا إلَيْهِجملةُ أمْرٍ (0,5).

7-    كَثِيرا مَا تَكُونُ الحِيلةُ والخَدِيعَةُ سَبِيلاً إلى تَحْصِيلِ المنافِعِ. مَا رَأْيُكَ في هذَا السّلُوكِ؟ علِّلْ موقفكَ: (2ن)

[ملاحظة: للتّلميذ الحقُّ المطلَق في تبنّي الموقف الّذي يشاءُ. أمّا درسُ الإصلاح فيتناولُ وجهتيْ النّظر بحيادٍ].

ألا أقبلُ أنْ يَكونَ سُلوكُ الحيلةِ والخديعةِ سبيلاً إلى تحصيلِ الـمنافِع. فهذا الأمرُ يجعلُ المجهودَ البدنـيَّ والذّهنـيَّ عديمَ الجدوى عندَ عامّةِ النّاسِ وخاصّتِهمْ. ثمّ إنّه يمنحُ الدُّهاةَ المتحيِّلين الـمُخادعِين ما لا يستحقّون مِن الأرباحِ والحقوق. إنّه سلوكٌ يتعارض مع قِيمِ العدلِ والنّزاهة.

بجميلٌ أن تكونَ الحيلةُ والخديعةُ سبيلا سهْلا إلى تحصيلِ شتّى المنافعِ. فهما تشغيلٌ مخصوصٌ للعقلِ البشريّ وتصريفٌ ُمُـميَّزٌ للذّكاء الاستثنائيّ. وإنْ نالَ الدّاهيةُ ما لا يستحقُّ مِن المكاسبِ فالذّنبُ ليس ذنبَه بل ذَنْبَ الـمُغفَّلين القاصِرين عن حمايةِ أنفسِهم وصيانةِ أمْلاكهم.

8-    فَسِّرْ هذا النّصَّ في فقرةٍ لا تَتَجاوزُ اثنَـيْ عَشَرَ [12] سطرا: (7ن)

«تَكْشِفُ الكِتَابَاتُ الـهَزْلِيَّةُ الفُكَاهِيَّةُ مَا كَانَ عِنْدَ العَرَبِ قَدِيـمًا مِنْ سَعَةِ صَدْرٍ ومِنْ قَبُولٍ بِالآخَرِ الـمُخْتَلِفِ وَمِنْ مَيْلٍ إِلَى حُبِّ الـحَيَاةِ الـمَرِحَةِ الضّاحِكَةِ العَابِثَةِ. لَقَدْ صَوَّرَ لَنَا الأَدَبُ العَرَبِـيُّ السَّاخِرُ تَنَوُّعًا اجْتِمَاعِيًّا خَصِيبًا وَتَنَوُّعًا أَخْلاَقِيًّا ثَرِيًّا. وَهْوَ تَنَوُّعٌ نَفَعَ النَّاسَ دُونَ أَنْ يُحْدِثَ فِيمَا بَيْنَهُمْ قَطِيعَةً أَوْ تَصَادُمًا»:

تَنوّعتِ الكتاباتُ الهزليّة الفكاهيّة في التّراثِ العربيّ، وتعدّدتْ. وقد كشفتْ جميعُها ما كان عند أجدادِنا قديما مِن سَعَةِ صدْرٍ ومِن قَبولٍ بالآخر المختلِف ومِن ميلٍ إلى حبِّ الحياةِ المرِحة الضّاحِكة اللاّهِية. فمِن الاختلافِ والتّناقض تولّد الهزلُ الظّريف. لقد وجدْنا، على سبيل المثال، "أبا عثمان الجاحظَ" الـمُقبِلَ على مُتعِ الدّنيا بشغفٍ يُصادقُ أشهرَ البخلاء وأمهرَ "الـمُصلِحين". فيستمتعُ بصحبتِهم دون أن يجرحَ مشاعرَهم، ثمّ يُبدعُ في شأنهم ألْطفَ النّوادر وأعمقَها نقْدا وأقربَها إلى التّحليل النّفسيّ المعاصِر. ثمّ إنّ التّنوّعَ الاجتماعيّ والدّينيّ والـمذهبيّ الّذي أحْدثهُ توسُّعُ الدّولة العربيّة الإسلاميّة جغرافيّا قد أثْرَى الأدبَ العربيّ القديمَ بكلّ فروعه. وكان للكتابةِ السّاخرة نصيبُ الأسدِ مِن هذا الثّراء. فعَكستْ، بفضل ذلك، خصوبةَ المجتمعِ الـمُتحوِّل الـمُتفاعِل مع كلِّ جديد الـمتقبِّلِ لكلِّ "آخر" وافد، وكشفتِ التّنوّعَ الأخلاقيّ والقِيمِيّ الّذي اغتنَى به ذاك العصرُ، عصرُ القوّةِ العسكريّة وعصرُ الانفتاحِ الحضاريّ وعصرُ الإنتاجِ الأدبيّ والعلميّ الغزير. مِن ذلك أنّ الفرسَ شكّلوا نسبةً كبيرة مِن مجموعِ بخلاء الجاحظ حتّى اتُّهِم الكاتبُ السّاخر بأنّه "عنصريّ" يتحامل عليهم قصدا. والحقيقيةُ أنّه كان يستعرض قيمَ الشّحّ والتّقتير الّتي بدأتْ تغزُو مجتمعا عُرِف، منذ الجاهليّة، بتقديسه لقيمِ الكرم والسّخاء والعطاء. لقد انتفعَ النّاسُ وقتَها بهذا التّنوّعِ دونَ أنْ تنشأَ بين تلك الـمِللِ والنِّحَلِ والمذاهب المتعايِشة رغم ما بينها مِن تبايُنٍ، قطيعةٌ نفسيّة أو تصادمٌ عنيف. إنّما كان ذاكَ الاختلافُ مَعِينًا لا ينضَبُ للنُّكتِ والنّوادرِ والـمُلَحِ المتبادَلة وللسّخريةِ خفيفِها ولاذِعِها.

 نقطة [1] على وضوحِ الخطّ ونظافةِ الورقة 

 عَـــملاً مُـوفَّـــــــــــــقًا